أحد القادة المسلمين

(أما بعد .. فقد أحطت علماً بالقوم وأصبحت مستريحاً من السعي في تَعرف أحوالهم ،
وإني قد استَضعفتُهم بالنسبة إليكم ، وقد كنت أعهد من أخلاق الملك المهلة في الأمور ، والنظر في العاقبة ، ولكن ليس هذا وقت النظر في العاقبة ، فقد تحققت أنكم الفئة الغالبة بإذن الله ، وقد رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الملك .. ثم ختم الرسالة قائلا:《 نصحت فدع ريبك ودع مهلك 》 .. والسلام).
فلما إنتهى الكتاب إلى قائد المسلمين طالعه على أتباعه ، فألهبت قلوبهم ، وحَرَّضت عزائمهم على الخروج ، غير أنه عندما خلا بحاشيته من النبلاء وأهل الرأي ، لم يُخفِ قلقه ، إذ قال: “أريد أن تتأملوا هذه الرقعة ملياً ، فإني أوجست منها ريبة ، وإني غير سائر حتى أنظر في أمرها” .
فقال بعضهم: ما الذي راب قائدنا من الرقعة؟.
أجاب: “إن الذي بعثته من الرجال هو من ذَوِي حَصَافة الرأي، وقد أنكرت ظاهر لفظه ، فتأملت فحواه ، فوجدت في باطنه خلاف ما يوهم الظاهر ، من ذلك قوله:
(أصبحت مستريحا من السعي) ، وكأنه يلمح لنا بأنهم أمسَكوا به وحبسوه ، وقوله:
(استضعفتُهم بالنسبة إليكم) ، أي أنهم ضِعفُ عددنا لكثرتهم. وقوله:
(إنكم الفئة الغالبة بإذن الله) ، فأغلب الظن أنه يشير إلى قوله
تعالى: {كَم مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللَّه}. [البقرة: 249] .. أي أننا الفئة القليلة.
أما قوله: (رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الملك) ،
فإني تأملت ما بعده ، فوجدت أنه يوحي بالقلب إلى قلب الجملة ، لأن الجملة الآتية مما يوهم ذلك ؛ وهي قوله: (نصحت فدع ريبك ودع مهلك)